وسائل الإعلام في تأجيج الصردور اعات السياسية النظرية والتطبيق مفهوم “حرب المعلومات”


أصبحت الحروب المعلومات في العالم الحاضر إحدى العوامل الواقع الذي نعيش فيه يوميا. كل واحد منا يمر من خلال الهجوم الإعلامي الموجه سواء على كل الناس وعلى كل فرد بشكل خاص.
تقنيات حرب المعلومات المبنية على إدارة التحكم في الوعي السياسي وسلوك الناس وإنها خطيرة جدا. ومهمتها الرئيسية تقسيم واستقطاب المجتمع وتمزّقه على عديد من القطع والأجزاء لكي يكرهوا بعضها البعض، وتشجيع الكفاح من أجل تدمير وجمع العدوان الى التيار الواحد المتوجه ضد الحكومة الحالية.
هدف حرب المعلومات -كسر إرادة العدو على المقاومة وإخضاع عقله لإرادة طرف ثاني. فعالية عالية من الهجمات الإعلامية وارتباك كَردّ الفعل الطبيعي من قبل معظم البلدان على حرب المعلومات تشكل إحدى العناصر الأساسية للحروب الهجينة الحديثة في اوكرانيا وسوريا.
يتم استخدام تكنولوجيا حرب المعلومات ليس فقط في الغرب (في الجيش الأمريكي تم اعتماد هذه المصطلح رسميا ك”العمليات النفسية”) بل أيضا من قبل المنظمات والجماعات الإرهابية الدولية مثل تنظيم داعش والقاعدة. داعش يبحث ويجنّد الخبراء في مجال الحرب الإلكترونية والمعلومات في كل العالم.
حرب المعلومات تبدأ عادة من شخص أول في البلد -من الرئيس او رئيس الوزراء. وسبب هذا أمرا بسيطا جد-رؤساء الدول يبقون في وسط الاهتمام، كل حركاتهم تحت المراقبة وليس لديهم حق للغلطة.
اشخاص معروفون هم الذين يصنعون الأخبار الرئيسية ومعلومات الرنانة، ثم وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية تفسر هذه الأخبار بطريقتها الخاصة. حرب المعلومات تبدأ دائما حول الأشخاص الرئيسيين وأعمالهم، وردود الفعل على أحداث معينة، التي كانت مصنوع سابقا من خلال نشر معلومات كاذبة استفزازية واشاعات ولقلقة وأيضا إطلاق فيروسات الى الشبكات الاجتماعية، حيث الهدف من هذه الاستفزازات -تشجيع السياسيين على ردود الفعل الانفعالية.
هناك دور خاص لوسائل الإعلام في حروب المعلومات. أنها تلعب دور قناة إيصال المعلومات للتأثير على جمهور محدد الهدف من جهة (النخب السياسية وقادة الرأي، والجمهور العام والسياسيون النشيطون)، ومن جهة أخرى تشارك بشكل المباشر لتفاعل الصراع.
يتم استخدام وسائل الإعلام في الصراعات الحديثة كوسيلة التضليل الإعلامي والتلاعب بالرأي والوعي العام وسلوك المواطنين للضغط على المعارضين.
ومن خلال “الإعلام المستقلة” أجهزة الاستخبارات تمارس رقابة على تسرب المعلومات لتشويه سمعة المعارضين، وزعزعة استقرار الوضع السياسي في بلدان مختلفة التي تسبب احتجاجات ضخمة بطريقة الثورات الملونة. وسائل الإعلام أيضا تعطي معلومات غير مؤكدة لاعتماد عليها، خصوصا إذا كانت تحتوي عناصر الإثارة، مما يسهم في إضفاء الصفة القانونية عليها.
يستخدم المتطرفون وسائل الإعلام لإثارة التطرف القومي حتى في تلك المناطق التي لم تعد تتجلى هذه التناقضات فيها. وسائل الإعلام الديمقراطية المؤيدة للغرب تشكل صورة “رومانسية” للثورات الملونة في تلك البلدان التي توجد فيها الانقلابات “الملونة “، وهي التي تضفي الشرعية لخونتا عسكريه التي جاءت إلى السلطة. تشارك وسائل الإعلام الغربية بنشاط في تشكيل الصور “الدول المارقة” (تشمل هذه الفئة جميع البلدان، التي تجري سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة) وتأدّي الى تطوير الصراعات والاشتباكات دولية جديدة.

في كثير من الأحيان تشارك في عملية تأجيج الهجمات الإعلامية “الصحفيون المستقلون” الذين ينفذون الأمر السياسي. وسائل الإعلام الحديثة في الواقع لا يمكن أن تكون مستقلة: الصحفيون يعتمدون على رأي رئيس تحرير والسياسة التحريرية. محرر في دوره يعتمد على أصحاب وسائل الإعلام ومموليها الذين يفرضون طريقة تفسير الأخبار المناسبة لهم فقط. الخوف من فقدان مصادر التمويل يجعل وسائل الإعلام الحديثة غير حرة وغير مستقلة. الحرية الوحيدة التي لا تزال موجودة عند الصحفيين -أن يستقيل إذا آرائه الخاصة لا تتوافق مع “رأي هيئة تحرير”.
الاهتمام الخاص تستحق التكنولوجيا المستخدمة في الحروب الحديثة للمعلومات ونشرها عبر وسائل الإعلام. من بين وسائل حرب المعلومات ذات أكثر استخدام هي طريقة “صاقات تعريف”. على سبيل المثال من خلال نشر معلومات الإضرار عن رئيس الدولة حول تطوير الفساد في بلده ومشاركته الشخصية فيه واعلانه بصفة “الفاسد” دون أي الدليل على ذلك. في الفترة الأولى ينظر المجتمع على تعريف الرئيس ب”فاسد” ككلام فارغة وسخافة. لكن العلاقة بين الشخصية وطريقة السياسة الفاسدة لا تزال تبقى في أذهان المواطنين. في وقت لاحق تمتزج صورة الرئيس مع الفساد الى الصورة الواحدة في الوعي البشري حيث “سحب” أو “غسل” هذا اللقب سيكون من الصعب جدا. هذا الأسلوب “صاقات تعريف” تم استخدامه في الغرب في حرب المعلومات ضد زعيم الدولة الروسية لأول مرة على أساس “قضية ليتفينينكو”، ثم بفضل الفيلم المعروف عن الفساد في روسيا، التي تظهر على قناة التلفزيون البريطانية بي بي سي 2. كان هناك حتى مصطلح خاص -“شيطنة بوتين” المتعلق بتطبيق تسميات جديدة مستمرة عليه.
طريقة الثانية في حرب المعلومات الحديثة هي ما يسمى ب “بالونات اختبار” التي تحقق ردود فعل رؤساء الدول على استفزازات مختلفة. يمكن تطبيق هذا المثال بالطريقة التالية: تنشر وسائل الإعلام الانتهاكات ضد رئيس الدولة مثيرة للغضب (مثل دور مباشر لرئيس البلد في انتشار تنظيم داعش أو فيروس الايبولا). وتدعو هذه طريقة الحرب الى الرغبة في الرد القوي. في حال نجاح الاستفزاز واستجاب الزعيم بشكل انفعالي على “الاتهامات الغربية” تصبح هذا رد الفعل التأثري هدفا لهجوم وتنسى التهمة الأولي فورا. طريقة “بالونات اختبار” تعمل بشكل دقيق جدا وبدون انقطاع لكن لها الشرط الواحد: ضرورة وجود “ردود الفعل” الدائمة على الهجوم الاعلامي من الزعيم والتي تسمح لمنظمي الهجومات أن تسيطر على هذه العملية. إذا يتم فقدان ردود الفعل، فهذا تسبب خوفا لوسائل الإعلام كما كان سابقا قبل الالعاب الاولمبية في (ستوشي) بينما اختفى الرئيس الروسي لمدة أسبوع كامل وفقدوا الصحافيون “ردود الفعل” على الهجمات المعلومات الخاصة به.
في كثير من الأحيان هجمات المعلومات تستهدف ليس شخص أوّل في الدولة، لكن النخبة السياسية حوليه أيضا. وتشعر هذه النخبة في وقت العقوبات وارتفاع حدة التوتر الدولي بالاهتزازات النفسية العديدة التي تحسها بدقة منظمو هجوم المعلومات. وقد تم تطبيق هذه التكنولوجيا في يوغوسلافيا لإسقاط ميلوسيفيتش، حيث خانته النخبة التي فهمت أنه في حال استمرار في دعمه سوف تشارك بمصيره. المهزلة الأخيرة مع الإعلان عن حكم (كاراديتش) هي أيضا سبب الضغط الذي يستخدمه الغرب لإظهار أن أي رئيس الدولة الذي يعارض للولايات المتحدة يمكن أن يكرر مصير ميلوسيفيتش، كاراديتش والقذافي.
الفضيحة المعروفة تحت إسم “ملف بنما” كان مستخدم تحديدا ضد النخبة السياسية الروسية. في وسط هذه قضية ظهرت شركة قانونية «موساك فونسيكا» البنمية المتخصصة في مجال التطوير والدعم التنظيمي والقانوني للمخططات الأوفشورية. أحد المشاركين الرئيسيين في دعاية هذه الفضيحة كانت وسائل الإعلام الغربية بدعم من بعض وسائل الإعلام الليبرالية في روسيا. حصل مجموع من الصحفيين “الاتحاد الدولي” على معلومات مسروقة من مكتب محاماة في بنما. يعني الصحفيون المستقلون في الواقع يشترون أشياء مسروقة. في معظم دول العالم تسبب هذه الإجراءات العقوبات الجنائية. لكن بالعكس في هذه الحالة جعل الغرب من محاربي الأوفشور الجدد ابطال العالم. ووضعوا المسؤولية على “المخبر” غير المعروف من مخابرات ألمانيا الذي كان يبحث عن أثار تهرب الألمانيين عن دفع الضرائب وفي النتيجة وجد دليل مشاركة رؤساء أوكرانيا والأرجنتين والشخصيات الأخرين في هذه العملية. وباعت المخابرات الألمانية معلومات عن مواطنين غير ألمانيين للوسائل الإعلام وبالتالي قامت بتعويض التكاليف التي دفعت للمخبر. ومن المثير للاهتمام إذا قام بنقل هذه المعلومات الشخص مثل (سنودن) أو أي خليفه الأيديولوجي فسيكون هذا مصدر لغضب مواطني الولايات المتحدة وإعطاءه وصف خائن المصالح الوطنية. لكن في هذه الحالة لا أحد يبحث عن صحة “ملف بنما” لأنه يمكن أن يزرع الشكوك في مصداقيته.
وهذا يشير إلى أنه في حالة “ملف بنما” نحن نتعامل مع التزوير الذي من أجل خلقه تم استخدام بعض الوثائق الأصلية التي تكشف عن مخططات أوفشورية حقيقية لرؤساء أوكرانيا والأرجنتين وعدد من السياسيين ورجال الأعمال البارزين الأوروبيين (ولكن ليس كبار الشخصيات). ويتم تقديم هذه المعلومات عبر الطريقة التي كانت مستخدمة بالنجاح سابقا مثل القضية (ويكيليكس). وبالمناسبة أعلن (ويكيليكس) بعد ثلاثة أيام من بداية انطلاق ملف بنما أن هذه “الفضيحة هي طلب واشنطن يهدف ضد بوتين.”
يوجد تهديد الهجمات الإعلامية المتكررة حول ملف بنما. قد عين الاتحاد الدولي للصحافة تاريخ نشر مجموعة جديدة من وثائق سرية. وفقا لهذا الإتحاد سيتم إلقاء جزء آخر من التضليل الإعلامي والشائعات في الأسبوع الثاني من مايو\أيار -قبل الانتخابات التمهيدية لحزب (روسيا الموحدة) التي من المقرر عقدها في 22 من هذا الشهر. من الواضح أنه تم إختيار هذا الوقت بشكل المخطط، في الخريف 2016 ستتم انتخابات الى مجلس الدوما والمنافسة بين الأحزاب البرلمانية ستكون صعبة جدا. الانتخابات التمهيدية هي فرصة لإظهار أفضل مرشحين للناخبين لإلقاء صورة أحسن عنهم قبل بداية الانتخابات العامة. ومع ذلك إذا قبل بداية الانتخابات التمهيدية سيتم نشر معلومات جديدة حول ملف بنما فتمزق هذه “التسمية التزويرية” من سمعة الحزب سيكون أمرا صعبا. إذا ستجري الأمور وفقا لهذا السيناريو النخبة الموالية للرئيس لن تمثل نفسها بشكل جيد خلال الانتخابات المقبلة.
على الصعيد الاستراتيجي هدف أطلاق حرب المعلومات ضد روسيا هو تقسيم النخبة السياسية الروسية بكل الوسائل. فضيحة ملف بنما قادرة على تقسيم النخبة السياسية على القسمين حيث الجزء الأول سيشعر بالخوف والجزء الثاني سيعطي رد الفعل الحاسم على هذا التزييف. في حالة الأزمة الاقتصادية وضغوط سياسية خارجية قوية التقسيم مثل هذا سيؤدي الى انشقاق الحزب الى أولئك الذين لا يريدون الصراع مع الغرب من جهة، والى المستعدين لضربة وقائية ضد العدو من جهة أخرى.
حتى في الوقت الحالي توجد محاولات في تصرفات النخبة لتحقيق “هجوم مضاد” على المراكز الغربية المتخصصة في حرب المعلومات، إن هذه المحاولات غير منظمة وبالتالي تزيد إمكانية وقوع في الفخ والاستفزاز. لا أحد يعرف بالضبط ما هي المعلومات التي ستكون في الجزء الثاني من “ملف بنما” ولذلك ترتفع مستوى التوتر.
على الرغم من خطورة حرب المعلومات هي ليست “سلاح القتال”-يفوز في هذا الحرب الطرف الذي قادر على حزر بخطوات وأفعال خصومهم المقبلة، وثم تحقيق اضراب غير متوقع، مثل الحالة في سوريا. وفي هذا الصدد، ينبغي إيلاء اهتمام خاص للأنشطة القنوات الروسية مثل “روسيا اليوم” و”سبوتنيك”، التي نجحت في نقل وجهة النظر الروسية إلى الجماهير في الخارج (بما في ذلك الغربية). ليس من الصدفة أن جون كيري قال في الكونغرس قبل نحو سنة أن “وسائل الاعلام الروسية تعمل على نحو فعال جدا، لديها تأثير على تشكيل الرأي العام في الولايات المتحدة نفسها ونحتاج خلق وسائل الإعلام نفسها التي يمكن أن تصمد أمام الدعاية الروسية”