الوضع في سوريا


(إعداد: عبد الكريم شمسي)
الرباط/08 مارس 2016 /ومع/على الرغم من التشكيك الواسع النطاق في مدى صموده على الأرض وعلى الرغم من الخروقات التي يواجهها من أطراف الحرب من حين لآخر، نجح اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ قبل 11 يوما (27 فبراير الماضي) في سورية، في تفادي احتمال الانهيار المبكر وما يترتب عليه من عودة المواجهات العسكرية إلى محاور الحرب التي عصفت باستقرار البلاد.
وتعكس إشادة وزيري الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والأمريكي، جون كيري، قبل يومين (الأحد 06 مارس)، ب “التقدم الحقيقي” الذي يشهده اتفاق وقف الأعمال القتالية في سوريا، تصميم موسكو وواشنطن على تماسك هذه الهدنة وصمودها في بلاد تحولت إلى غابة من السلاح والعداء.
وفضلا عن التقييم الايجابي والحذر، في الوقت ذاته، للأمم المتحدة ومبعوثها إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لهذه الهدنة، فقد أفاد الكرملين بأن قادة روسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا عقدوا مؤتمرا عبر الهاتف قبل أيام (04 مارس) اتفقوا خلاله على أن “اتفاق وقف الأعمال القتالية في سوريا بدأ يحقق نتائج إيجابية تمهد الطريق لتسوية سياسية”، وجرى التشديد، خلال هذه المحادثة، “على أهمية استمرار القتال بلا هوادة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرهما من الجماعات الإرهابية”.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن “الهدنة في سوريا صامدة في شكل عام” على الرغم من “الاستفزازات وعمليات القصف المنفردة”، فيما أقرت الهيئة العليا للمفاوضات السورية الممثلة للمعارضة بدورها ب “تسجيل تراجع في انتهاكات الهدنة” خلال اليومين الماضيين.
ولا تختلف وجهات نظر السلطة والمعارضة وحلفائهما على أن نجاح هذه الهدنة حتى الآن، في ظل وجود حوالي 250 تنظيما مسلحا وعدم وجود أية رقابة أو قوات أممية أو محايدة تضمن احترام الاتفاق، الذي لا يشمل تنظيمي “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة”، يعتبر بارقة آمل في نفق الأزمة السورية أسهمت في انخفاض وتيرة سفك الدماء على نطاق واسع.
وبعد دخول أطراف وازنة على خط الأزمة السورية عسكريا قبل أشهر، وتزايد الثقل السياسي والعسكري والاستخباراتي والمالي لقوى دولية وإقليمية معنية بالحرب في سوريا كل لأغراضها الجغرافية السياسية، سيكون مدويا ومفاجئا أن يتحول هذا الاتفاق، الذي توصلت إليه موسكو وواشنطن، إلى عملية سلمية شاملة تفضي إلى انتقال سياسي للسلطة يضع حدا للاقتتال في سوريا الذي أودى بأرواح حوالي 260 ألف قتيل.
ووسط حالة الدمار الشامل التي تخلفها الحرب في سوريا التي بلغت كلفتها وانعكاساتها على دول المنطقة (لا سيما العراق ومصر ولبنان والأردن وتركيا) نحو 35 مليار دولار، بحسب البنك الدولي، فإن استئناف محادثات السلام حول سورية في جنيف، واعتزام خمس دول غير دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي صياغة مشروع قرار يدعو إلى وقف الهجمات على المستشفيات في سوريا (وسائر المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة) قد تعد مؤشرات ايجابية في حد ذاتها تبعد، حاليا على الأقل، شبح تحول الأزمة السورية إلى حرب إقليمية أو تقسيم البلاد طائفيا، وتحد من شراسة الحملات الاعلامية المتبادلة.
ويرى الإعلامي والمحلل السياسي مصطفى الطوسة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “لا أحد يتوقع أن يصمد وقف إطلاق النار أو وقف الأعمال القتالية كما يسميها النظام في سوريا”، وقدم هذا الطرح استنادا بحسبه ل “وجود عدة قوى داخل سورية وأخرى إقليمية ليس من صالحها استمرار سريان الهدنة التي تفرض عليها امتحانا عسيرا هو المشاركة في مسلسل الحل الانتقالي الذي تقترحه المجموعة الدولية عبر مفاوضات جنيف” الرامي للخروج من نفق الأزمة السورية المسدود.
ورجح المحلل السياسي ، بناء على ما يرى انها “مؤشرات تتعلق بالخصوص بعدم شمول الاتفاق للجماعات المتشددة الإرهابية، وتبادل الاتهامات بين النظام و المعارضة السورية المسلحة”، “عودة اشتعال جبهة المواجهات العسكرية” على محاور القتال في سوريا، قائلا إن العودة إلى الاقتتال ستكون “هي عنوان المرحلة المقبلة في ظل تركز عيون الجميع على الخطة البديلة التي كان وزير الخارجية الامريكي جون كيري ألمح إليها في حال فشلت عملية وقف إطلاق النار”.
وبدوره توقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو الحكومية أندريه مانويلو، في تصريح مماثل، ” استمرار الصراع السوري لأمد طويل”، ونفى وجود أية ضمانة حول تنفيذ مختلف أطراف الحرب السورية (سلطة ومعارضة) لقرار مجلس الأمن 2254 (2015) بشأن سوريا، الذي نص على بدء محادثات السلام في يناير 2016.
وأضاف أن “العائق الذي يحول دون تحقيق السلام بسوريا يتمثل بالتحديد في وجود تباين شديد في المصالح الحيوية بالمنطقة للقوى العالمية والإقليمية (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والدول الإقليمية) المؤثرة في النزاع السوري وفي أطرافه”.
وبالموازاة مع هذه التحليلات السياسية التي تبدي شكوكا بشأن ما إذا كانت الهدنة الحالية ستشكل فعلا بداية النهاية للصراع في سوريا، تطفو على السطح تحليلات متباينة ترى أن “استراتيجية الهدنة بالنسبة لواشنطن وموسكو هي خطوة للانتقال الى بداية الحل السياسي وهذا ما يفسر دعوة المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي مستورا لعقد جولة جديدة من مباحثات جنيف” بعد أيام.
وترى أن “معطيات الحل السياسي وطبيعة تعاطي موسكو وواشنطن مع الخطوات الرامية لانجاز أهم مراحل الحل السياسي (وقف إطلاق النار) تجعل من أي سيناريو (آخر) غير قابل للتنفيذ في المرحلة الحالية”.
ويبدو أن عوامل من قبيل توافق القوى الدولية والإقليمية، والتوازنات العسكرية على الأرض بين النظام والفصائل المسلحة، اللذين يختلف تصورهما للحل السياسي المنشود اختلافا راديكاليا، ستكون حاسمة في تقرير مصير الحرب السورية وما إذا كانت ستستمر لأمد طويل أم تضع أوزارها في القريب العاجل، وفي تقرير مستقبل سوريا ذاته

https://www.facebook.com/andrey.manoilo/posts/858072474301824